لماذا تركت القطار وحيداً…؟

محمد الفرسيوي

لم يطلقِ النارَ أحدٌ على ضحايا القطار، وهو على مرمى العين من سلا ومن العاصمة الرباط… إذْ لم يكنْهذا القطار في حالةِ فرارٍ أو في أي وضعٍ يستدعي إطلاقَ النار عليه حمايةًللحدود وتفعيلاًلقانون السيادة مثلاً…!

كان القطار يسير كديدنه المألوف نحو العاصمة… فجأةً خرج عن الطريق،وهو الذي لم يقترف مثل هذا “السلوك الطائش” عندنا منذ أكثر من عقدين من الزمن…!تُرى هل قررَ القطارُ هذا الزيغَالقاتلَ عن الطريق مُتلهفاً نكهةَ الحلوى وتلك “الرائحة” التي غمرتْ شارع محمد الخامس والنواحي منذ جمعة افتتاحِ خريفية البرلمان…؟

وأضافَ صاحبي متسائلاً؛ أتراه قد تمردَ حين تأكد أن البقاءَ وحيداً على السكة وعلى الطريق هو الحمق عينه أو هو جحيم القنوط في أوجه، والحال أن الطرقَ تشعبتْ بأهل البلد، وصار لكل من القائمين على شؤونه السكةَ التي يريد والمحطةَ التي يشاء والمآلَ الذي لا ينجذبُ إلا نحو المجهول، لا قدر الله…؟

قلتُ مُستدركاًواضعاً الحد لخيالِ صاحبي الجامحِ هذا، وللتشاؤمِ الذي صار يغمرنا كالسيلِ الجارفِ أو كالطريقِ الذي لا مخرج له؛ ألم نقرأ سوياً ديوان أو قصيدة محمود درويش (لماذا تركت الحصان وحيداً)؟ أو ألم يصرخ الشاعرُ فينا صرختَه الحزينةَ المدويةَ هذه، حين كانتِ الشعرةُ الأخيرةُ (وليستِ الآخرة على كل حال!) من عُرْوَتِنا وعُرُوبتنا، تُمزقُ تحت أنظار معظم حكامنا ولا أقولُ تحت طائلةِ التواطؤ وتخاذلنا المريب مثلاُ، حتى لا أدفنَ تفاؤلي بيدي…؟

ثم، ألا ترى معي يا صاحبي، أننا حين تركنا الحصان وحيداً، كاد الأعداءُ أن يبتلعواْبلاد النيل والفرات وما بين النهرين، فزحفتْ لعنةُ الصحراء وبرودةُ نفطها قتلاً وتمزيقاً على البلاد والعباد، من “ليبيا المفروسة” إلى “اليمن المذبوحة”، ومن القدس السليبة إلى الشام الكبيرة…؟

وها نحن هنا والآن، في مغرب الشرق، قد تركنا القطار وحيداً… فما هذا، يا زمني؟

لا عليك، يا صاحبي… لعل حادثُ هذا القطار كالعادي تماماً، مثل قسوةِ مآلِ “حياة” وغيرها… مثل كل مَنْ رحلواً ويرحلون، ولعل كل مَنْ ماتواْ عندنا قد نجواْ من الحياة بأعجوبة (نقلاً مُحَوراً عن محمود درويش).. ولعل هذا القطار الثائر أيضاً، قد داخَ من فرطِ أثرِ انتقالِ الفصولِ ووقعِ المطرِ الزهيد وبعضِ التهاون والكسلِ القاتل، أو من زُعاقِ “رائحة” معظمِ السياسةِ والساسةِ في البرلمان وغيره، أو من هولِ هذا التيه الفظيعِ فينا ومن حولناوالزيغِ عن السكةِ وعن الطريق السديد… أو أليستْ فواجع “الطبيعة” أرحم، وهي التي تخشى الفراغ…؟ فما البالُ بالطريق، وقد صارتْ عندنا في عز وحدتها تنادي؛ لماذا تركت الطريق وحيداً…

لا تتركواْ القطارَ وحيدا.

لا تتركواْ الطريقَ وحيدا.

لا تتركواْ البلدَ وحيدا…

لا تتركواْ الأملَ وحيدا…
وإن تلفتمْ أو أُتلفتمْ حقا،

شُدواْ على هذه الأرضِ طويلا…

Facebooktwittergoogle_plusredditpinterestlinkedinmail